يحكى ان امرأة عوراء عاشت الحياة وقسوتها بعد رحيل زوجها. وقد خلف لها ولدا بلا سند مادى او معنوى. فعملت بعين واحدة لتقوم بتربية طفلها الذى بدأ يكبر. ادخلته المدرسة وهى تمسح دموعها اول يوم مدرسة له، وهى ذكرى تبقى عزيزة على قلب كل أم وقد بدأ وليدها ينسلخ عنها.. لم تطق صبرا على بعده.. لحقت به الى المدرسة لتطمئن عليه وتثلج قلبها برؤياه. وعندما عادا الى البيت لمحت مظاهر الحزن على وجه وحيدها سالته السبب: فاجاب الطفل بكل براءة الطفولة امى: لا اريدك ان تاتى الى المدرسة. لقد سخر منك رفاقى وضحكوا على عينك المقلوعة.. لم تهتم الام كثيرا لملاحظة وحيدها معللة صراحته بعفوية الطفولة..
مرت الايام والام تسقى وحيدها من نببع حنانها وعطائها حتى غدا تفتخر به وتزهو بشبابه وتالقه.. لكنه اصر فى كل مناسبة على ابعادها عن حياته لخجله منها ومن عينها المقلوعة كى لا يحرج بشكلها واذا تصادف ولمحها احد رفاقه تثور ثائرته ويتفوه بافظع الالفاظ ويجبرها ان تختفى امام خلانه واصحابه.. تلملم الام جراح عاهتها فى نفسها المطعونة بسيف اغلى الناس، ولا تملك الا عينا واحدة للبكاء تذرف دمعها بسخاء حزنا على الدنيا واساها. وتدعو لولدها بالهداية وتحاول ان تعوض عن عينها باغداق حنانها وعطفها.. لكنها اكتشفت ان لا سبيل لاقناع ولدها بقبول عاهتها حين فضل الهروب منها وعنها، وآثر الدراسة فى اميركا حيث يتحرر من امه، وانقطع حتى عن مراسلتها الا قليلا عندما يحتاج الى المال او المعونة.. مرت الايام.. سمعت من اهل لها واقارب ان ولدها قد تزوج ورزق بابناء.. هاجت عليها عاطفتها واستجمعت ما تبقى لها من قوة ومال يعينانها على السفر اليه واحتضانه فيفرح هذا القلب المكلوم ولو قليلا بلقياه، وتلقى احفادها الصغار وقد ذاب قلبها حبا عليهم..!!
حملت ما حملت من هدايا وقصدت البلد البعيد، فتحت لها زوجة ابنها الباب، رحبت بها واسرعت الى زوجها تبشره بقدوم امه.. خرج ابنها اليها بغضب الوجة بادرها بفظاظة : لماذا لحقتنى الى هنا؟؟ الم اهرب منك؟؟ ماذا تريدين منى؟؟
كانها صاعقة نزلت على رأس الام المسكينة، لم تحتمل الصدمة خرجت من عنده وكادت تقع ارضا.. تحاملت على جرحها.. وعادت الى بلدها على نفس الطائرة التى القتها اليه..!!
مر الزمن !! صار فيه الولد اب فعرف قيمة الام والاب، وفى يقظة ضمير ندم على فظاعته وفظاظته فقرر العودة الى البلد لزيارة أمه ليستغفرها على ما فعله.. قصد بيتها ليفاجا بانها رحلت عنه الى شقة تكاد تكون مأوى لا بيتا، لكن المأوى ايضا مغلق.. سال الجيران عن امه! اجابوه: بان امه قد فارقت الحياة قبل ايام قليلة لكنها تركت له رسالة
أمسك بالرسالة بيد فاصابتة رجفة الحسرة، قرا ما فيها
ولدى الغالى: يعز على ان افارق الدنيا دون ان اراك. لكنها رغبتك ان اظل بعيدة عنك كى لا تنحرج برؤية امرأة عوراء.. لكن ساحكى لك حكاية اخفيتها عنك عمرا كى لا احملك منتى.. عندما كنت طفلا صغيرا تعرضت لحادث مريع ذهب بعينك، ولم يكن هناك بديل عن ان اهبك عينى ترى بها الدنيا.. اما انا فتكفينى عين واحدة ارى بها وجهك الغالى .. هى حكاية واقعية.. ولنا ان نخمن نهايتها، وكيف قضى هذا الابن بقية عمره!!..
كان المسيح يقول لنا إذا كنتم حقاَ تحترمة جروحى و المى و صلبى و احتمالى العذاب لفدائك على الصليب إذا كنت تقدر ذلك فعلاً فعليك ان تقدر التعب و العذاب و الألم الذى عاناه اباك و امك لكى يربيانك و عليك كما تكرمنى أن تكرم اباك و امك و لولا الرب الذى تدخل بقوة لكانت حياتنا الآن حزينة و ما كان هناك سلام و سعادة فى أسرتنا التى لم تعرف السلام إلا بعد أن دخلها المسيح فعليك انت تكرم اباك وامك لكى تتطول ايام حياتك على الارض